بسم الله الرحمن الرحيم
وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمدٍ وعلى أله وصحبه أجمعين
والحمد لله بجميع محامده كلها ما علمنا منها وما لم نعلم الذي شرفنا بالإضافة إليه سبحانه وتعالى حيث قال في محكم التنزيل(وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً)وزادنا شرفاً ورفعةً وسؤدداً بأن جعلنا من أمته صلى الله عليه وسلم حيث قال (كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف تنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ) نحمده تعالى أن جعلنا من هذه الأمة المخصوصة بهذه المزيه الفائزة بالوصول إلى دار السلام ونسأله العفو والعافية لي ولكم ولجميع المسلمين وحسن الختام
أما بعد ففي الحلق غصة وفي القلب شجاً حار القلم وفزعت الأفكار من جلل الخطب وهول الذنب أيقال بعد كلام الله عز وجل ما هو أكثر بياناًوأفصح لساناًحيث قال عز من قائل (ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه وهناً على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير)فأي شكرٍ هذا الذي شكرناه وقد روي عن سيدنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم أنه قال ((لا يشكر الله من لا يشكر الناس )) وأي وصيةٍ هذه التي نفذناها بل أي شرعٍ هذا الذي اتبعناه وأين نفر من إله أرشدنا لما فيه صلاحنا ورفعتنا فعصيناه وخالفناه وقد ضرب لنا أروع مثالٍ للطاعة العمياء ما حكاه على لسان سيدنا إبراهيم حيث قال لابنه سيدنا إسماعيل على نبينا وعليهما الصلاة والسلام(يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك قال يا أبتي افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله صابراً ولا أعصي لك أمرا) فلا ندري أنعجب من انصياع سيدنا إبراهيم للأمر الإلهي في المنام . أم لتسليم سيدنا إسماعيل منحره لأبيه وقد قال له أن ما يفعله منام وهو الذي تركه وأمه السيدة هاجر في وادٍ غير ذي زرعٍ أي صحراء قاحلة لا ماء فيها ولا طعام وذلك بأمرٍ من الله عز وجل
تركهما وليس معهما إلا جراب من تمر وحق ماء وأراد الانصراف وأدار وجهه محتبساً دموعه فقالت له السيدة هاجر إلى من تتركنا هنا يا إبراهيم آلله أمرك بهذا وهنا تحشرج صدر إبراهيم وغص البكاء في حلقه وقال اللهم نعم فقالت السيدة هاجر بإيمان تهتز له الجبال إذاً لن يضيعنا وانصرف إبراهيم غير ملتفت إلى الوراء كي لا تفضحه دموعه ثم وقف على جبل قريب يراهم ولا يروه فبكى بكاءً شديداً وقال "ربي إني أسكنت من ذريتي بوادٍ غير ذي زرعٍ عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدةً من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون"ثم انصرف مكسور الفؤاد
تركهم وفؤاده يتفطر وصدره يشق حزناً ولكن لابد من الامتثال لأمر الله عز وجل وطبعا لابد من إلتفاتةٍ إلى ما لاقته السيدة هاجر بعد رحيل سيدنا إبراهيم عنها فبعد نفاذ زادها من طعامٍ وماء ضج الرضيع الجائع بالبكاء فقد ثوى صدر أمه الجائعة من الحليب وهي التي عضها الجوع قبله ولكنها شغلت بعويل فلذة كبدها عن جوعها المضني ، بكى بكاءً شديدا كادت له رمال الصحراء وحجارتها أن تبكي بحرقه ,قلقت الأم وحارت وأخذت تركض بما أبقى لها الجوع من قوى منهارة وجابت الوادي الأجرد طولاً وعرضاً علها تجد ما تسد به رمقها لترضع صغيرها ركضت وبكاء وحيدها يدوي أرجاء الوادي فهي تسمعه أينما ذهبت وشبح الموت بين عينيها يهدد بخطف صغيرها،لا لن يكون لك ذلك ولو اضطررت أن أعصر كبدي وأطعمه من أحشائي التي طالما حضنته ودفأته وسدت رمقه فترعرع في كنفها ومااشتها شيئا إلا ونال صفوته ،ولكن عما تبحث في هذه الصحراء المقفرة الخالية من كل شيء إلا الرمال المحرقة للواقف والمضنية للماشي نظرت فرأت جبلاً صغيراً هو جبل الصفا فاعتلته علها ترى من فوقه ما تبحث عنه فلاح لها من بعيد سراباً يحسبه الظمآن ماءً فانكبت مسرعةً نحوه فلما استوت في بطن الوادي غاب عن عيونها المتعبة رؤية وليدها المصارع للموت فأسرعت الخطى حتى ارتفعت عن بطن الوادي (ومن هنا سن في السعي بين الصفا والمروة الرمل بين الميلين الأخضرين الذين هما علامة لبطن الوادي )فلما ارتفعت عن بطن الوادي عادت لرؤية ابنها الصغير الذي كان يضرب الأرض بيديه ورجليه الصغيرتين ضرباً عنيفاً مع بكاء حرقة يمزق سكون الصحراء فتابعت بحثها فرأت جبلاً آخر فصعدت عليه علها ترى من فوقه ما تبغي فلم ترى شيئاً ثم نظرت إلى الجبل الأول فرأت السراب فظنته ماءً فعادت مسرعةً إليه فلم تجد شيئاً ثم نظرت إلى الجبل الثاني حيث كانت فرأت سراباً فظنته ماءً فأسرعت إليه علماً أنها كانت هناك منذ قليل ولكنه الأمل ،وهكذا كررت الأمر سبع مرات وهي تنظر بمرارةٍ شديدةٍ إلى صغيرها ، اشتد بكاء الصغير وكادت صرخاته أن تنقطع وأنفاسه أن تخمد أمام ناظري أمه الرؤوم ،وهنا تدخلت يد القدرة الإلهية وأنقذت الصغير وأمه من هلاكٍ محقق .سمعت السيدة هاجر صوتاً فقالت لنفسها مه أي لتنصت إلى مصدر الصوت ونظرت باتجاه وليدها فرأت سيدنا جبريل وقد ضرب الأرض بجناحه فانفجرت عين زمزم وفاض مائها وأسرعت السيدة هاجر تجمع التراب
لتحصر الماء عن الضياع في الأرض وكثر الماء فشربت وأشربت صغيرها وارتوت وجاءت قوافلٌ مسافر فرأت الماء فخيمت عنده وأكلت وأطعمت ومنها ما استقر , وبقية القصة معروفة وسردها للتذكير باشتراك الأم والأب في هذا الجهد المضني فالحق عز وجل أجملها بدايةً بقوله (بوالديه) ثم خص الأم بحمله وفصاله ثم عاد للتذكير بالأب بقوله (أن اشكر لي ولوالديك)
عن جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن أبي أخذ مالي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: (فأتني بأبيك) فنزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك إذا جاءك الشيخ فاسأله عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه) فلما جاء الشيخ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بال ابنك يشكوك أتريد أن تأخذ ماله)؟ فقال: سله يا رسول الله، هل أنفقه إلا على إحدى عماته أو خالاته أو على نفسي! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إيه، دعنا من هذا أخبرني عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك)؟ فقال الشيخ: والله يا رسول الله، ما زال الله عز وجل يزيدنا بك يقينا، لقد قلت في نفسي شيئا ما سمعته أذناي. قال: (قل وأنا أسمع) قال قلت:
غذوتك مولودا ومنتك يافعا تعل بما أجني عليك وتنهل
إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت لسقمك إلا ساهرا أتململ
كأني أنا المطروق دونك بالذي طرقت به دوني فعيني تهمل
تخاف الردى نفسي عليك وإنها لتعلم أن الموت وقت مؤجل
فلما بلغت السن والغاية التي إليها مدى ما كنت فيك أؤمل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة كأنك أنت المنعم المتفضل
فليتك إذ لم ترع حق أبوتي فعلت كما الجار المصاقب يفعل
فأوليتني حق الجوار ولم تكن علي بمال دون مالك تبخل
قال: فحينئذ أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بتلابيب ابنه وقال: (أنت ومالك لأبيك).
حضرت مرةً ولادة زوجتي سماعاً فسمعتها تبكي بحرقةٍ وألم وتتوسل إلى الطبيبة والممرضات خلصوني كرمال الله لم أعد أحتمل واستمر الوضع ساعةً ولكن بالنسبة لها كانت هذه الساعة أعوام مريرة خلصوني ولو مت فالموت أهون من هذا الألم لم أعد أحتمل وكم وددت لو سجلت هذا لأولادي وهو لحظة من لحظات الحمل ناهيك عن سهر الليالي عند رأس الصغير منذ خروجه إلى هذه الدنيا تراقب تنفسه لكيلا يختنق والأغرب من هذا أنها تنام بعينيها وحواسها مستيقظة فإذا سمعت بكائه ليلاً ظنته اختنق فتهب مسرعةً إليه: عداك عن أنها تراقب نموه كل يوم فتارةً تنبت أسنانه فترتفع حرارته ويبكي بكاءً شديداً فتراها ساهرةً بقربه ليلاً تخفض حرارته وتواسيه
وحينما يشب تراها تقطع الطعام عن فمها لتطعمه بعد أن تكون أن يكون أنهكها بامتصاصه خلاصة جسمها ونقي عظامها أثناء الحمل وحليبها بعد الوضع ونومها وراحتها إلى أن يشب وقلقها عليه كل يوم إذا تأخر إلى أن يموت هو أو تموت هي و وو وو
لا أعرف ماذا أذكر وإن فغلت فهل يا ترى تكفي آلاف الصفحات لتعداد بعض تضحياتها ولأداء حقها
وأي مكافئة تجنيها غالب الأمهات أهو الجحود والنكران وفي حديث ابن عمر: أَنّ رجلاً حج بأُمّه فَحملها على عاتِقه فسأَله:
هل قَضَى حَقَّها؟ قال: ولا طَلْقَة
وقد قال صلى الله عليه وسلم إذا ماتت أم ابن آدم نادى مناديٍ من السماء يا ابن آدم ماتت التي كنا نكرمك من أجلها
حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو علم الله من العقوق شيئا أردا من "أف" لذكره فليعمل البار ما شاء أن يعمل فلن يدخل النار. وليعمل العاق ما شاء أن يعمل فلن يدخل الجنة
وفي تفسير سورة البقره
(قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول) غير مذللة بالعمل (تثير الأرض) تقلبها للزراعة ، والجملة صفة ذلول داخلة في النهي (ولا تسقي الحرث) الأرض المهيأة للزراعة (مسَلَّمة) من العيوب وآثار العمل (لا شية) لون (فيها) غير لونها (قالوا الآن جئت بالحق) نطقت بالبيان التام فطلبوها فوجدوها عند الفتى البار بأمه فاشتروها بملء مَسكها ذهباً (فذبحوها وما كادوا يفعلون) لغلاء ثمنها وفي الحديث : "لو ذبحوا أي بقرة كانت لأجزأتهم ولكن شددوا على أنفسهم فشدد الله علي
صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ إمداد أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ، ثُمّ مِنْ قَرَنٍ. كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرِأَ مِنْهُ إِلاّ مَوْضِعَ دِرْهَمٍ. لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرّ. لَوْ أَقْسَمَ عَلَىَ اللّهِ
لأَبَرّهُ. فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ
هذا صحابي أسلم وأراد الهجرة من اليمن إلى مكة ولكن منعه من ذلك مرض أمه فلم يهاجر إلا بعد أن عوفيت أو توفيت فكانت مكافئته عظيمة بأن قال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سيد التابعين أويس ووصفه لأصحابه وقال لهم إذا لقيتموه فاطلبوا منه الدعاء
فهداك الله يا أخي ويا أختي لمراقبة أمك ليوم واحد وتتخيل نفسك مكانها أو مكان أبيك ولا تضيع عمرك وثواب أعمالك بالعقوق فإن ماتا سوف تعض الأصابع ندماً ولن يعودا لتستدرك ما فاتك من برهما ولا ينفع مع العقوق العمل الكثير
وليكن بين عينيك دائماً قوله صلى الله عليه وسلم بروا آبائكم تبركم أبنائكم
فعامل أبويك كما تحب أن يعاملك أبنائك